العدد 300 - سبتمبر 2001 م

الميكروسكوب.. البوزيتروني
ثورة حقيقية.. في مجال التكبير المجهري استخدام المادة المضادة لأول مرة..في تصنيـع أشباه الموصلات
كتب :د.عبدالناصرتوفيق
توصل الباحثون في الجامعة العسكرية الألمانية بميونخ إلي ابتكار ثورة حقيقية في مجال تصنيع رقائق أشباه الموصلات والتحكم في دقة جودتها.. كما يمثل هذا الابتكار إضافة هائلة للمعلومات المتاحة عن أساليب التكبير المجهري ويفتح آفاقاً رحبة في هذا المجال.
تمكن الباحثون أخيراً من ابتكار نوع جديد تماما من الميكروسكوبات يعتبر ليس فقط أكثر الميكروسكوبات دقة علي الاطلاق بل يعتبر ايضا الفريد من نوعه من حيث الاساس والمبدأ الفيزيائي الذي نبي عليه لا تستخدم في تشغيله موجات الضوء المرئي مثل الميكروسكوبات التقليدية ولا حتي الحزم الالكترونية مثل الميكروسكوبات الالكترونية الحديثة والمعروفة جيدا علي وجه العموم لا تستخدم فيه بالمرة أي من أنواع الأشعة الأخري المعروفة في عالمنا المادي بل يتم فيه استخدم شعاع من نوع جديد تماما وهو شعاع البوزيترونات. والبوزيترونات كما هو معروف هي المادة المضادة للالكترونات وهي تحمل نفس شحنة الالكترون الكهربية ولكنها علي العكس من شحنة موجبة وهناك تقابل أيضا في بعض الأرقام الكمومية الأخري لهما ومثل هذه الخواص علي وجه العموم هي ما تميز جسيمات العالم المادي عن الجسيمات في العالم المضاد "Arlti-Purticlcs" هذه هي المرة الأولي التي يتم فيها بنجاح التعامل مع المادة المضادة وتطويعها في استخدامات تقنية محددة والمادة المضادة هي النوع الآخر من المادة والمقابلة للمادة المعروفة لنا والتي تتكون منها اجسامنا والأشياء من حولنا للالكترون وحدة مادة مضادة لا بل أنه حسب أكثر النظريات الفيزيائية شيوعا توجد لكل انواع الجسيمات المعروفة لنا نسخة أخري من العالم الميتافيزيقي وكذلك لكل التكوينات المادية من حولنا من المفترض ان تكون لها صورة مطابقة تماما في العالم الميتافيزيقي هذا لكن نوعي المادة هذين لا يلتقيان مطلقا.
وإذا حدث وأجبر جسيمان متضادان مثل الاليكترون والبوزيترون علي الاقتراب من بعضهما البعض فالنتيجة فناء الاثنين معا وموتهما وتحولهما الي طاقة يمكن الكشف عنها عن طريق الومضة الفوتونية المصاحبة لمثل هذا التفاعل المعروف أي لا يمكن من وجهة النظر الفيزيائية خلط المادة مع الصورة المضادة لها وهو ما يوضح اهمية الابتكار الذي نعرضه الآن فعن طريق هذا الميكروسكوب الجديد والذي اطلق عليه اسم ميكروسكوب المسح البوزيتروني "Positron Microscope, SPM Scanning" ستتم مسح وفحص المادة العادية باستخدام المادة المضادة.
والطريقة المبتكرة التي تم تطويرها في الجامعة العسكرية الألمانية بميونخ للتعامل مع البوزيترونات وسط الوجود الكثيف للالكترونات والتي كما أوضحنا ستؤدي حتما إلي الافناء الكامل كليهما تعتمد علي الاستفادة من خصائص البوزيترونات ومنها انها تحمل شحنة موجبة علي العكس من شحنة الالكترونات السالبة وكما تم عمله للحصول علي نتائج فحص شريحة من السليكون والتي تم نشرها مع الإعلان عن هذا الاختراع يتم حقن البوزيترونات داخل فجوات الشحنة الموجودة في جسم البللورة او علي سطحها الخارجي.
في داخل هذه الفجوات من اشباه الموصلات هناك نواة ذرية موجبة مفقودة وبدون هذه الذرة يوجد في محيط هذه الفجوات بالضرورة عدد أقل من الالكترونات اللازمة لمعادلة الشحنة الكلية لبللورة شبة الموصل لهذا تستطيع البوزيترونات في داخل هذا المحيط البقاء مادة معقولة قبل أن تفني عندما يزداد عدد الالكترونات من حولها عن طريق قياس الفترة الزمنية التي تعيشها البوزيترونات داخل قطاع المادة المراد فحصها - قبل اصطدامها وبالتالي فنائها مع الالكترونات - أمكن لباحثي الجامعة العسكرية الألمانية بميونخ الحصول علي دقة غير مسبوقة في قياس التشوهات البللورية في رقائق اشباه الموصلات وكما يقول قائد فريق البحث السيد يرفتسهويزر: "بهذا الأسلوب تستطيع البوزيترونات تحليل تركيزات التشوهات داخل البللورة بدقة جزء من المليون جزء ولا توجد طريقة أكثر حساسية في تحديد العيوب في رقائق اشباه الموصلات ميكروسكوب المسح البوزيتروني هذا"
تم حفر شكل معين علي شريحة السيليكون ليمثل التشوه المراد تحليله كما في الصورة هنا "علامة الجمع" لتتم فحصه وفي البداية اجري مسح للسطح بشعاع من الالكترونات للحصول علي صورة له تماما مثلها يحدث في طريقة الفحص باستخدام مع اليكروسكوب الالكتروني المعتاد بعد ذلك تم الفحص باستخدام الميكروسكوب البوزيتروني الجديد ويتم توليد شعاع البوزيترونات من مصدر صوديوم مشع ويمر هذا الشعاع خلال عدة مجالات كهربية لمجانسته حسب الطاقة وبعد ذلك تتم تقطيعه إلي نبضات قصيرة تدخل في سلسلة من المجالات الخاصة تعمل علي تعجيلها
وتركيزها في بقعة بمساحة حوالي 2 ميكرومتر مربع.
وعن طريق قياس الوقت الزمني بين النبضة المرسلة من مصدر البوزيترونات المعجل إلي سطح الشريحة وبين بصيص الفوتونات الناتج عن هلاك كل من الالكترون والبوزيترون لحظة التقائهما معا أمكن للفريق الألماني رسم خريطة لموا ضع التشوهات بدقة كبيرة ووجدوا ان البوزيترونات التي تم حقنها داخل الفجوات "التشوهات" قد بقيت مدة أطول مرتين من التي تم اسقاطها علي مواضع اخري من سطح العينة التي يتم فحصها وبتتبع ومسح مرور الشعاع هذا علي طول السطح امكن رسم صورة له واضحة تماما وبالمقارنة مع الصورة المأخوذة من الميكروسكوب الالكتروني يتضح مدي التفاصيل التي يوفرها الميكروسكوب الجديد أكثر من ذلك يعطي هذا الميكروسكوب تفاصيل إضافية عن أنواع التشوهات والتي لا توفرها أي تقنية أخري.
وحسب ما يقول هذا الفريق أمكن التأكد من أن زمن بقاء البوزيترونات قبل فنائها مع الالكترونات المقابلة يختلف باختلاف نوع التشوه.
من خلال هذا العرض يتضح مدة اهمية هذا الاختراع الجديد في العديد من التطبيقات الصناعية وهو يمثل فتحا علميا كبيرا في مجال توظيف النوع الآخر من المادة وغير المستغل حتي الآن في فحص وتحليل المادة التي يتكون منها عالمنا المعروف.
اعلى الصفحة
الصفحة السابقة
الصفحة الرئيسية