الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الكورية
بقلم الدكتور : عبدالناصر توفيق
جامعة شتوتجارت المانيا الاتحادية
بدعوة من الهيئة الكورية لتمويل البحوث العلمية سافرت الي سول العاصمة الكورية الجنوبية للاشراف علي احد المشروعات العلمية في جامعة كونجوك في الطريق من مطار انشون الدولي والذي افتتح بداية هذا العام في جزيرة تقع قبالة مدينة انشون الساحلية المطلة علي شاطئ البحر الاصفر والتي تبعد 53 كيلو مترا الي الغرب من سول اراد البروفسور جونتاك ريي ان يزيد من شعوري بالترحاب علي الارض الكورية. فحرص علي ان يكون المركز الاسلامي اول المعالم التي نمر بها في طريقنا الي الجامعة وهو مسجد ضخم يقع علي ربوة عالية تشرف علي مدينة سول وتطل مباشرة علي نهر الهان. او كما يطلق عليه الكوريون هان جانج وهو نهر كبير يتهادي بين المرتفعات المحيطة بسول وتترامي المدينة علي امتداد ضفتيه الشمالية والجنوبية المسجد بهذا الموقع المتميز يجعلك تشعر بالوجود الاسلامي في كوريا وهو في هيئته الشامخة وقبته العالية وبمئذنتيه الواصلتين الي كبد السماء سيكون اول مايقابله الزائر الي سول . ويعلن علي العالمين ان الدين الخاتم لازال ينتشر من بقعة الي اخري من ارض الله وعندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله لكن كيف وصل الاسلام الي هذه البقعة النائية من الكرة الارضية؟ وهل الوجود الاسلامي في كوريا بهذه الضخامة حتي يشيد هناك مثل هذا المسجد الكبير؟ وماهي اوضاع المسلمين الكوريين وكيف يعيش هناك المسلمون القادمون من بلاد اخري؟ وكيف تنظر الحكومة الكورية الي هذا المد الاسلامي؟ كل هذه الاسئلة دارت بذهني وحاولت خلال مدة اقامتي في كوريا ان ابحث لها عن اجابات شافية.
وعن الاديان في كوريا الجنوبية تقول الاحصاءات المتوافرة انه من بين عدد السكان البالغ 45 مليون نسمة يوجد هناك 28% من البوذيين 24% من المسيحيين و46%ليست لهم اي ديانة واثنان بالمائة من الديانات الاخري اما عدد المسلمين من المواطنين الكوريين فيتراوح بين 30 و35 الفا جميعهم اختار الاسلام كدين ارتاحت اليه قلوبهم وعقولهم وانقذهم بفضل من الله من براثن الوثنية ذات التاريخ الطويل في كوريا لكل واحد منهم قصة جهاد فريدة قادته الي الدين الحق لم يرثوا الاسلام عن ابائهم ولم يعتنقوه تقليدا لاحد بل كان اختيارهم الحر الي جانب هؤلاء يعيش في كوريا من 250 الي 300 الف مسلم قدموا من مختلف البلاد الإسلامية العدد الاكبر منهم جاء من ماليزيا. اندونيسيا. باكستان والهند وبنجلاديش وايران وهناك عدد لابأس به من البلدان العربية اغلب هؤلاء جاءوا للعمل في المصانع والشركات الكورية عدد اخر جاء من اجل الدراسة ولتحصيل العلم من اجل التجارة والاعمال وقصد عدد اخر منهم الي شبه الجزيرة الكورية بسبب صغر المساحة وتقارب المدن والقري يصعب الحديث عن مكان معين يتركز فيه المسلمون لذلك يمكن القول إنهم ينتشرون في طول البلاد وعرضها وان اسم الله الاعظم شهادة التوحيد ترتفع في جميع ارجاء البلاد من المساجد المختلفة من الزاوية ومن المركز او الجامع الكبير مرورا بالمصلي والمسجد الصغير لكن بسبب انتشار المواقع الصناعية في المنطقة الشمالية الغربية يوجد هناك في المقاطعات المحيطة بالعاصمة سول عدد كبير من المسلمين وتتركز هناك غالبية المراكز الاسلامية الكبيرة.
ولان كوريا تربطها علاقات اقتصادية واسعة مع النمور الاسيوية الاخري في جنوب شرق اسيا يرتبط المسلمون الكوريون بعلاقات وثيقة مع المسلمين في ماليزيا واندونيسيا وتايلاند فيذهبون الي هناك بغرض استكمال الدراسات الدينية وايضا بغرض التجارة والاعمال بالطبع تربط كوريا علاقات متنوعة مع مصر منها العلاقات الصناعية والتجارية والتعليمية من اهم اوجه العلاقات الثقافية الدور الكبير الذي يلعبه الازهر الشريف في مجال الدعوة وليس اقلها المنح الدراسية في مجالات العلوم الاسلامية اغلب الائمة والدعاة في كوريا من المتخرجين في الجامعة الازهرية وبعضهم يتحدث اللهجة المصرية بطلاقة شديدة هذا فضلا عن اللغة العربية الفصحي.
ويرجع تاريخ العلاقات الكورية مع العالم الاسلامي الي عصر مملكة سيلا المتحدة "661ــ935" من خلال الرحلات التجارية مع الممالك الاسلامية المعاصرة لها حيث ادخل التجار والرحالة المسلمون الدين الاسلامي الي كوريا ومن المؤكد ان بعض هؤلاء التجار المسلمين قد استقر هناك واتخذ من كوريا موطنا دائما في حوالي منتصف القرن التاسع الميلادي وقد جاء ذكر كوريا في العديد من المؤلفات العربية وصف فيها الرحالة والجوغرافيون العرب مملكة سيلا التي سيطرت علي شبه الجزيرة الكورية من هؤلاء بن خردازده الذي كتب انه توجد فيما وراء الصين ارض غنية بالذهب بها مملكة تدعي سيلا وان التجار المسلمين الذين ذهبوا الي هناك قد اخذتهم هذه الارض الاسطورية بجمالها لدرجة انهم لم يعودوا يفكرون في مغادرتها.
ومن اهم مشاكل المسلمين صعوبة الحصول علي الطعام الحلال الخالي من الكحوليات ومن شحوم ومشتقات الخنزير وايضا من خلال تعاملهم مع اصدقائهم واقربائهم من الكوريين ذوي الديانات الاخري تواجههم مشاكل اجتماعية مثل عدم استطاعتهم المشاركة في الشرب وهي عادة كورية يمارسونها مع اغلب الوجبات وكذلك هناك مشكلة الحصول علي زوج أو زوجة مسلمة وذلك بسبب قلة أعداد المسلمين للأطفال أو الشباب المسلمين. وهناك مشاكل اخري من نوع عدم امكانية حصولهم علي اصدقاء من المسلمين في مثل اعمارهم. وايضا عدم توافر امكانيات معقولة لحصولهم علي العلوم الاسلامية غير ماتوفره لهم الاسر المسلمة بالرغم من كل هذا لاتواجههم أي مشاكل مع الدولة او القانون الكوري ذلك ان نظام الدولة ديمقراطي علماني.

backhometop