|
|
لا شك في أن معدل نمو وانتشار الإنترنت قد فاق أي تقنية أو صناعة أخري حتي الأفكار والأديان العظيمة لم تصل في انتشارها إلي هذا العدد الهائل من البشر بهذه السرعة من أهم صفات ولعله وفي نفس الوقت عيوب الإنترنت أنه من الممكن لأي شخص أن يضع معلومات علي هذه الشبكة دون أي رقيب ودون التحكم في محتواها, وعلي الناحية الأخري من الممكن لأي شخص أن يقرأ هذه المعلومات, هذه الحرية غير المحدودة في نشر وتلقي المعلومات قد تؤدي إلي الأتي: نشر مواد عديمة القيمة, وتافهة, وإلي نشر مواد سيئة وضارة من وجهة نظر ثقافات وأخلاق معينة, وكذلك إلي نشر مواد غرائزية رخيصة في مواجهة هذا السيل الجارف من المعلومات غير منتقاه يجب علي مستخدم الإنترنت أن يتمتع بمهارة وقدرة كبيرة تمكنه من التمييز بين الصالح وغير الصالح( الجيد وغير الجيد), مما تقدمه الإنترنت له ولأسرته, ولكن سؤالا يطرح نفسه هنا عن القياس الذي يمكن استخدامه في ذلك: هو علي كل الأحوال يجب أن يكون مقياسا أخلاقيا لكن حتي في دنيا الناس تختلف المقاييس الأخلاقية من مجتمع إلي مجتمع ومن بقعة إلي بقعة ما يصلح في بلاد المشرق قد لا يكون كذلك في أوروبا, وما يراه الناس في أمريكا اللاتينية خلقا حسنا ليس بالضرورة كذلك في الوطن العربي ويجب ألا ننسي أننا نتحدث هنا عن مجتمع وعالم افتراضي( عالم الفأرة) له قوانينه وأخلاقه الخاصة به, وهو كما أشرنا يختلف بعض الشيء عن عالم الناس بقوانينه ومقاييسه الأخلاقية المتعددة ولأنه بالرغم من كل ذلك لا يزال ينظر إليه علي أنه التطور الطبيعي لتاريخ إنساني طويل من محاولات الوصول إلي مجتمع كوني تسوده ثقافة وأخلاق واحده( بداية من الديانات السماوية إلي الفلسفات والنظم السياسية المتنوعة, كلها تهدف إلي شيء واحد, إلي إدخال( كل الناس في كل بقاع الأرض تحت مظلتها) ولأن هذه الدنيا الإفتراضية لم يخطط لها بعقيدة معينة, لزم أن يم إستعارة أيديولوجيات ونظم أخلاقية من دنيا الناس وتلك تمثل إحدي أدوات الربط بين العالمين الافتراضي والواقعي في أوروبا والعالم الغربي حيث ولدت التكنولوجيات ومنها الإنترنت كثيرا ما يتم الإستعانة بالمقياس أو الحكمة البوذية في الأخلاق والعقيدة وهي تقول بأنه يجب عليك عدم الإعتقاد أو الايمان بشيء ما قيل لك, أو سمعته من غيرك, أو حتي قلته أنت لنفسك في مرحلة ما وحتي لو إقتنعت به مرحليا, مادام لم يتوافق اليوم مع أسبابك الخاصة وإحساسك( غرائزك) الداخلي, هذا المنطق قد يصلح في أوروبا وفي إطار الحضارة الحالية والتي قامت علي قيم الفرد وعلي ثقافة وإذكاء الرغبات الإستهلاكية.
في العالم الشرقي وخاصة بالنسبة إلي مستخدمي الانترنت ممن يعتنقون الثقافة والدين الإسلامي يكون القياس الأخلاقي مختلفا عن هذا وكون الإنترنت أو أي تقنية مماثلة ظهرت أو ستظهر في المستقبل قد نشأت أولا في أوروبا لا يوجب اعتناق المباديء والعقائد الأخلاقية السائدة هناك, أكثر من ذلك يجب علينا الحرص علي عدم الوقوع في هذا الخطأ الحضاري, لنا أن نستدعي تراثنا الكبير من الأخلاق الإسلامية والذي لا يماثله تراث آخر لنا أن نحتكم إلي ذخيرة حضارية تصل إلي ما قبل التاريخ المدون أعطت العقيدة الإسلامية للفرد قيمة ومكانة عظيمة ولكن في إطار مصلحة الجماعة, الفرد المؤمن العاقل العالم بشئون دينه وحاجات مجتمعه هو هنا من يناط به التكليف, وهو القادر علي الاختيار, فالحلال بين والحرام كذلك بين, لكن لمن؟ للمؤمن صحيح الإيمان راشد العقل, المقياس الأخلاقي كما جاء به الإسلام, وكما تعارفت عليه الجماعة المؤمنة علي مر التاريخ, هو ما يجب علينا الاستعانة به في مواجهة سيل جارف اختلط فيه الحابل بالنابل مجهزون بهذا الطوق يمكن أن نبحر علي صفحات الإنترنت دون خوف أو تردد ليس هذا فقط بل أظنه من الفرض والواجب أن نسهم بفاعلية أكبر في عصر المعلوماتية, فهي الفرصة التاريخية السانحة لنشر ثقافة نظن أنها الأصلح لكل البشرية, وكما رأينا فهذا العالم الإفتراضي الكوني لا يزال يبحث لنفسه عن ثقافة صالحة, وهو إن كان الأن يتخبط بين اختيارات ثقافية وأخلاقية فاسدة, فهذا هو المخاض الصعب. |
|
|
|
|
|